بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

ملخص رسالة العالمية  « الدكتوراه »

المقدمة من الباحث / طه إبراهيم أحمد بدري

 

المدرس المساعد بقسم اللغة الألمانية بكلية اللغات والترجمة

جامعة الأزهر بالقاهرة

 

وعنوانها

 

 صورة المرأة عند الأديب الألماني هاينريش فون كلايست

دراسة نقدية

 

Zum  Bild der Frau bei Heinrich von Kleist

Eine kritische Untersuchung

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أمّا بعد…

 

لقد حظيت المرأة وما تزال تحظى في كثير من البلدان بقدر كبير من الإهتمام والبحث، خاصة في مجال الدراسات الإنسانية، ولا عجب في ذلك؛ فالمرأة هي نصف المجتمع، هي الأم وهي الزوجة، هي الأخت وهي الابنة، وهي مربية الأجيال. إن الحديث عن المرأة ودورها في الحياة، وعن طبيعتها ومشاعرها، عن رغباتها وآمالها، لهو أمر حيوي يتدفق بالحس والوجدان؛ ذلك أن المرأة هي محور العاطفة ونموذج الجمال الذي وهبه الله سبحانه وتعالى للإنسانية في كل زمان ومكان.

 

هذا وقد عُني الأدب الألماني -  شأنه في ذلك شأن الآداب الأخرى -  بالمرأة أيّما عناية، حتى أننا لنقرأ فيه عمّا يسمَّى بـ  « الأدب النسائي    »أو  « أدب المرأة»   ، وهو ما يطلق عليه في الألمانية اسم «   . » Frauenliteraturوكان هاينريش فون كلايست (1777 – 1811) من الأدباء الألمان الذين عالجوا موضوع المرأة من خلال أعمالهم؛ حيث إنها تحتل مكانة كبيرة في مسرحياته ورواياته، بل وأيضا في رسائله، خاصة تلك التي كان يبعث بها إلى أخته الكبرى أولريكة وإلى خطيبته فيلهيلمينة فون تسينجة وإلى ابنة عمه ماري فون كلايست. فالمرأة في معظم أعمال كلايست  -  إن لم يكن في كلها  -  تحتل أهمية واسعة النطاق، حتى أن هناك بعضا من تلك الأعمال قد سُميت بأسماء بطلاتها، كمسرحيتي   «بنتزيليا»  و  « كتشن فون هايلبرون» اللتين نحن بصدد دراستهما الآن، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. ومن ثم فإن المرأة في أعمال الأديب المبدع هاينريش فون كلايست تمثل ظاهرة ملفتة للنظر، وهي بهذا جديرة بالبحث والدراسة.

 

واختياري للمسرحيتين  «بنتزيليا»  و  « كتشن فون هايلبرون»  نابع في الحقيقة من العلاقة الوثيقة التي تربط بينهما وبين حياة كلايست نفسه حسب قوله في إحدى رسائله إلى ابنة عمه ماري. كما أن هناك أيضا أسبابا أخرى لهذا الاختيار، منها أن كلايست قد عرض فيهما صورة المرأة بشكل أوضح مما في غيرهما؛ حيث إنه قد بلور هنا ظاهرة الحب عند المرأة وما تتحلى به من مشاعر وأحاسيس. وهكذا فإنه يمكننا أن نعتبر هذين العملين مثالا أصيلا لكل أعمال هاينريش فون كلايست الأخرى.

 

حاولت في رسالتي هذه -  كما يشير عنوانها -  بحث مفهوم هاينريش فون كلايست للمرأة، وذلك من خلال أهم أعماله، خاصة عمليه اللذين سبق ذكرهما، إضافة إلى ما جاء حول هذا الموضوع في بعض رسائله. فهدف البحث إذن هو الوقوف على صورة المرأة كما يراها هذا الأديب وما تمثله من أهمية في حياته الشخصية. وقد أوضحت في دراستي هذه السمات الأساسية التي تشترك فيها كل شخصيات كلايست النسائية، وكيف أن تلك السمات تنسحب على جنس المرأة بوجه عام.

 

وتتجمع عناصر الدراسة في مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.  تتضمن المقدمة (ص. 1- 6) أهم النقاط حول بيان الغرض من هذه الدراسة، ونشأة فكرة موضوع البحث، بالإضافة إلى الطريقة المنهجية التي اتبعتها بين دفتي الرسالة.

 

 ·      اشتمل الفصل الأول ( ص. 7 - 22 ) على عرض سريع لمفهوم الأديب الألماني هاينريش فون كلايست للمرأة وما تمثله من أهمية في حياته. ومن خلال العلاقات التي كانت تربط بين كلايست وبعض الشخصيات النسائية -  كعلاقته الوطيدة بأمه قبل وفاتها وبأخته الكبرى أولريكة، وكذا علاقته بخطيبته وبابنة عمه -  استطعت أن أتوصل إلى الصورة العامة التي اكتسبها عن المرأة بعد معايشته لها، كما خلصت أيضا إلى أن تأثر كلايست بالمرأة نابع في الأساس من الصلة الحميمة التي كانت تربطه بأمه.

 ·      يدور الفصل الثاني ( ص. 23 - 102 ) حول « صورة المرأة في مسرحية بنتزيليا». وقد تحدثت في بداية هذا الفصل عن النشأة الاجتماعية لبطلة المسرحية، وعن تلك الأوضاع الظالمة التي جعلتها في النهاية تقتل حبيبها ثم تقتل نفسها بعد ذلك. ونقصد بالأوضاع الظالمة هنا أوضاع دولة الأمازون التي كانت البطلة ملكة عليها، تلك الدولة التي أسست بنيانها على حساب حرية الفرد، وسلبته مشاعره، وجعلته مجرد أداة لخدمتها والحفاظ على بقائها. لقد عايشت بنتزيليا صراعا داخليا مريرا بين كونها ملكة على دولة الأمازون يجب عليها أن تنسى ذاتها وتعمل فقط حسب ما تمليه عليها قوانين تلك الدولة الظالمة، وكونها امرأة لها مشاعرها وأحاسيسها الخاصة من حقها أن تُحِب وأن تُحَب.

 

حاولت بنتزيليا جاهدة أن توفق بين المطلبين ولكنها لم تستطع إلى ذلك سبيلا، فقررت في النهاية أن تتخلى عن كونها ملكة واختارت أن تلبي مطلب قلبها وما تمليه عليها مشاعرها كامرأة تميل بطبيعتها السوية إلى أن تكون في كنف رجل تحبه ويحبها. كانت بنتزيليا في الحقيقة قد قتلت أخيل، ذلك البطل اليوناني الذي أحبته، إلا أن قتلها له وقع نتيجة الخطأ أو نتيجة الحالة النفسية السيئة التي تسببت فيها الأوضاع الظالمة لدولة الأمازون. فلما رأت أنها قد فقدت الرجل الذي أحبته، قررت على الفور التخلص من تبعيتها لتلك الدولة الظالمة، واللحاق بمن مال له قلبها. كانت تلك هي الأحداث التي دار حولها الفصل الثاني من الرسالة.

 

تعرضت في هذا الفصل أيضا إلى التشابه القائم بين المشاعر والأحاسيس عند بنتزيليا ومشاعر وأحاسيس كلايست نفسه، ذلك التشابه الذي أشار هو إليه في إحدى رسائله إلى ابنة عمه ماري فون كلايست كما ذكرنا سالفا، فكلايست في طيلة حياته كان يحاول أن يلبي ما يمليه عليه قلبه ووجدانه. وعليه فقد خلصت من هذا الفصل إلى أن أعمال كلايست عامة، ومسرحية بنتزيليا خاصة، ما هي إلا وعاء قد صب فيه الكاتب أحاسيسه ومشاعره، مما جعل تلك الأعمال تتسم بالمصداقية.  ومما نتج عن هذا الفصل أيضا هو أن المرأة تثق دائما بصدق مشاعرها الداخلية مهما اعترضها في ذلك من صعاب، كما أن المرأة بطبيعتها تميل إلى العاطفة والحنان.

 

    ·      أمّا الفصل الثالث ( ص. 103 - 144) فقد تناولت فيه بالبحث والتحليل مسرحية « كتشن فون هايلبرون» ، وكان الغرض من وراء ذلك هو مواصلة عرض صورة المرأة عند الأديب هاينريش فون كلايست.

 

أوضح كلايست في هذه المسرحية أيضا -  كما فعل من قبل في مسرحية بنتزيليا -  قوة وأهمية الشعور الداخلي عند المرأة. وتوصلت من خلال البحث إلى أن هناك أيضا علاقة وثيقة بين مشاعر بطلة المسرحية ومشاعر الأديب نفسه، لذا فإن شخصية كتشن هذه كانت تحتل مكانا خاصا في قلب هاينريش فون كلايست.

 

لقد أثبتت كتشن من خلال حبها للأمير فريدريش فون شترال أن المرأة تظل تدافع عن حبها مهما لاقت في سبيل ذلك من صعاب وعقبات؛ فهي دائما على ثقة من صدق مشاعرها وأحاسيسها. وهكذا فإن هذه المسرحية تعتبر مثالا واضحا للحب الصادق عند المرأة، ودليلا آخر على أهمية التكامل بينها وبين الرجل.

 

وبعد الإنتهاء من الفصل الثالث تأتي خاتمة الرسالة (ص. 145 - 149) لتوجز أهم النقاط والملاحظات التي توصلت إليها من خلال البحث، ثم ذيلت رسالتي بقائمة للمصادر والمراجع التي استخدمتها، مراعيا في ذلك الترتيب الأبجدي لأسماء مؤلفيها أو ناشريها؛ بغية أن أيسّر على القارئ مهمة الرجوع إليها عند الحاجة.

 

في هذا المقام أتوجه إلى الله عزّ وجلّ بالثناء والشكر على توفيقه لي، وأدعوه سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل المتواضع في ميزان حسناتي يوم القيامة، إن ربي سميع مجيب.

 

ولا يسعني هنا إلا أن أقدم خالص شكري وتقديري لكل من ساعدني في إتمام رسالتي هذه، وأخص بالشكر أستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور محمد أبو حطب خالد، أستاذ اللغة الألمانية وآدابها بكلية اللغات والترجمة - جامعة الأزهر، وذلك على تفضله بقبول الإشراف على الرسالة، وعلى توجيهاته القيمة التي كان لها أثر كبير في إنجاز هذه الدراسة. كما أشكر من كل قلبي أستاذي الكريم الأستاذ الدكتور هيلموت كوبمان، أستاذ ورئيس قسم الأدب الألماني بكلية الآداب – جامعة أوجسبورج ورئيس هيئة هاينريش فون كلايست للبحث العلمي، على رعايته ومساعدته لي أثناء فترة تواجدي في ألمانيا، مما أعانني على جمع المادة العلمية اللازمة في سهولة ويسر.

 

كما أقدم وافر شكري وتقديري إلى أستاذيّ الفاضلين، الأستاذ الدكتور عبد الله محمد أبو هشّة، أستاذ ورئيس قسم اللغة الألمانية وآدابها بكلية الدراسات الإنسانية للبنات -  جامعة الأزهر، والأستاذ الدكتور محمد أحمد منصور، أستاذ ورئيس قسم اللغة الألمانية وآدابها بكلية اللغات والترجمة - جامعة الأزهر، وذلك على ما قدماه لي من مساعدات علمية وتوجيهات بنّاءة أثناء تصميم خطة الرسالة. جزا الله تعالى الجميع خير الجزاء.

 

أمّا والدتي الحبيبة فإني أعجز في الحقيقة عن أن أوفيها قدرها من الشكر والتقدير، ولا يسعني هنا إلا أن أدعو الله العلي القدير لها بدوام الصحة والعافية.

 

وبعد فهذه دراسة متواضعة عن صورة المرأة عند أديب ألمانيا الشامخ هاينريش فون كلايست، أدعو الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وُفقت في تقديمها للقارئ العزيز بصورة مُرضية. فإن كنت قد وُفقتُ فالتوفيق من الله تعالى وحده، وإن كنتُ قد قصّرتُ فعذري أني بشر، وسبحان مَن له الكمال.  وصدق الله العظيم حيث يقول   :  «وفوق كل ذي علم عليم» .

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العلمين!

طه إبراهيم أحمد بدري

 

القاهرة في رمضان سنة 1419 هـ

                ديسمبر سنة 1998  م